ونفى الداعية السعودي بعض التهم التي تصيبه بخصوص الاتجار بالدين، مؤكدا أن التهم غالبا ما لا يسلم منها أحد، سواء الدعاة، أو الحكام، أو الممثلون، أو اللاعبون، مبرزا أن التهم إما حقيقية وعليها أدلة، أو أنها منطلقة من ظن وإشاعة أو حسد..
وهذا نص الجزء الأول من الحوار مع الشيخ محمد العريفي:
* الشيخ محمد العريفي.. مرحبا بك على صفحات جريدة هسبريس الإلكترونية
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، في البداية أشكر لكم هذه المقابلة، وقد تشرفت بكم وبشعب المغرب الكريم. وقد سبق أن زرت المغرب عدة مرات، وفي الجامعة درست على يد علماء من المغرب، سواء في مرحلة البكالوريوس أو الماجستير.
* وماذا تقول عن المغرب؟
- المغرب بلاد علم وفقه، كان لها تأثير في إفريقيا كلها، بل إن بعض الدول إنما دخلها الإسلام عبر المغاربة، فسكان جزر المالديف – مثلا - كانوا على ديانة البوذية حتى دخلها أبو البركات المغربي، وهو رجل صالح فأسلم ملكها على يده، ثم أسلم الشعب كله على يده.
والمالديف اليوم بفضل الله مليئة بالمساجد والمسلمين وقراء القرآن، فالمغاربة لهم فضلهم في الحقيقة في إقراء القرآن وفي نشر العلم، وذلك راجع إلى ما حباهم الله تعالى به من الخلق الحسن والتعامل الرائع والكرم والجود. أسأل الله أن يحفظ المغرب وأهلها وأن يؤلف قلوبهم.
* في الآونة الأخيرة لاحقتك الكثير من التهم، منها استغلال الدين والاتجار به تحت غطاء الدعوة إلى الله، ما قولك؟
- بالنسبة للتهم، فلا يكاد يسلم منها أحد سواء من يدعو إلى الله سبحانه وتعالى أو من يعمل في غير ذلك، فحتى الدعاة، الحكام، الممثلون، اللاعبون، التجار، وكل الناس لا يسلمون من التهم.
ودافع هذه التهم أحد أمرين: إما أن تكون تهما حقيقية فعلا، وقد لاحظوا على المتهم أمورا تدعوهم إلى هذا الاتهام.
أو أن تكون تهما - وهو الأغلب - منطلقة من ظن وإشاعة أو حسد أو ما شابه ذلك، الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام اتهموا في كثير من الأشياء، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء داعيا قومه إلى التوحيد ونبذ الشرك اتهموه بأنه إنما يريد أن يظهر عليهم، وأن يتسيد عليهم ويصبح له الملك.
وهذه التهمة نفسها هي التي اتهم بها فرعون هارون وموسى لما قال لهما: "أن يكون لكما الكبرياء في الأرض" .. نبينا صلى الله عليه وسلم قالت له قريش: أنت تريد أن تكون ملك مكة.. أنت تريد أن تتزوج نساءنا.. أن تعبث بأموالنا إلى آخره...
فهذه الاتهامات ليست جديدة. كل من جاء يعمل في الدعوة ويسير على طريق الأنبياء ابتلي بمثل هذه الاتهامات.
أنا في الحقيقة أعلم أن هذه الاتهامات تصيبني وتصيب غيري ممن ربما يتكلم في الأمور التي فيها إصلاح للناس. فأنت إذا تكلمت مثلا عن حرمة شرب الخمر غضب عليك تجار الخمور ثم اتهموك باتهامات..
وإذا تكلمت عن حرمة الرشوة غضب عليك المرتشون واتهموك باتهامات، إذا تكلمت عن تعدد الزوجات - مثلا- غضبت عليك النساء واتهمنك باتهامات. فالإنسان لا يسلم أن يتهم، كما قال الشاعر:
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً *** ولو غاب عنهم بين خافيتي نسرِ
وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى أن هذه التهم أولا ليست كثيرة، وأنها لا تتكئ على أدلة ولا على قرائن. فليس هناك ما يدل على أن الإنسان يتكسب من دينه، أو أنه يطلب من الناس أموالا لقاء دعوتهم إلى الله أو ما شابه ذلك.
فمن فضل الله أنني أدرس في الجامعة منذ سنوات، وعندي أيضا التجارة الخاصة بي، وبالتالي لا أحتاج أن ألقي محاضرة، أو أن أفعل شيئا من أمور الدعوة لأجل أن يعطيني الناس مالا، نسأل الله أن يديم علينا وعليكم من فضله.
* هناك من يقول إن طرحك الدعوي بسيط ولا يناسب الزمن الذي نعيش فيه، والمواضيع التي تناقشها " سطحية " وربما أصبحت متجاوزة، ما تعليقك؟
- الحقيقة أنني أحرص أن أخاطب كل قوم بما يتناسب معهم، فإذا جئت إلى محاضرة لطلبة الثانوية تكلمت عن الصحبة وما يتعلق بها، إذا جئت ألقي محاضرة مثلا لضباط في دائرة عسكرية تكلمت عما يتعلق بهم، إذا ألقيت محاضرة على مفكرين وعلى مسؤولين ثقافيين فإنني أتكلم بما يناسبهم في الغالب.
أما الإلقاء العام في خطب الجمع - مثلا - أو بعض اللقاءات التلفزيونية، فالإنسان مطالب بأن يكلم عامة الناس لأنهم هم الأغلب، وبالتالي لابد أن يكون طرحه سهلا يسيرا بسيطا مناسبا لهم.
الأمر الثاني، أنا يكفيني أن أخاطب عامة الناس وأن يتأثروا، فالحديث عن التوبة - مثلا - قد يبدو في نظر البعض سطحيا، لكن ما يهمني هو تأثير هذا الموضوع، هل هو مؤثر أم لا؟ يهمني أن يتوب متعاطي الخمر، ويتوب عاق والديه، ويتوب المرتشي، ويتوب آكل أموال الناس بالباطل، هذا يهمني.
أعظم ما يهمني أن أتكلم عن العولمة مثلا، أو عن الغزو الثقافي وما شابه ذلك.. ولذلك حتى الأنبياء يقولون لأقوامهم:" أن أدوا إلي عباد الله". يعني أنا أريد فقط أن تخلوا بيني وبين الناس في دعوتهم وفي إصلاحهم، كما أن لي طرحا سهلا يسيرا يناسب عامة الناس.
كذلك لي طرح آخر ربما يكون نخبويا، فأنا ألقي محاضرات، في الجامعات ومؤتمرات عالمية، ولي طرح مركز جدا، لكن الأشهر والمنتشر بين الناس، ربما، هي خطب الجمعة لما فيها من ملامسة واقعهم، لكن من بحث وجد لي كلاما دقيقا عن العولمة، وعن الإلحاد، وعن التغريب، وعن العلاقة بين المسلمين وغيرهم وعن الديانات وما يتعلق بها.
* الشيخ العريفي، أنت كثيرا ما تردد وتصرح بأنك رجل دعوة ولست رجل سياسة، لكن أرشيفك فيه الكثير من الآراء السياسية. ألا ترى في هذا تناقضا؟
- الداعية مطالب بأن يتكلم فيما يمس حياة الناس، أنا لا أتكلم مثلا عن مؤتمر جنيف أو مؤتمرات الأمم المتحدة أو القوانين الدولية، لكن عندما يقع قتل لإخواننا في سوريا مثلا، ثم تقف إيران وحزب الله مع بشار الأسد في قتلهم، فإنني مطالب بأن أتكلم عن حرمة هذا الأمر، وعن حرمة الدماء ووجوب الدفاع عنهم، فهذا ليس كلام في السياسة، بل عن حرمة هذه الدماء.
وقلت لا يجوز أن يعاون الظالم على ظلمه عندما – مثلا- يحصل خروج على ولي أمر شرعي في أحد الدول ثم تكلمت عنها من الناحية الشرعية، هذا أيضا ليس تدخلا في السياسة، بل هو أمر شرعي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث آخر الزمان المتضمنة لأحكام الخروج على ولي الأمر.
وبالتالي لما يتكلم الشيخ أو العالم في هذه المسألة، فهو يتكلم في الأمر الشرعي في الجانب الشرعي منها وليس السياسي.. فأنا لا أتعرض للأمور السياسية لأنها غير مؤثرة في طرحي الدعوي. وأيضا هي ليست تخصصي..
والذي يتكلم في السياسة لا بد أن يكون متابعا للأخبار متابعا للتحليلات ونحو ذلك.. وأنا ليس عندي وقت حقيقة لمتابعة هذا، لكن إذا كان الأمر شرعيا فإنني مطالب أن أتكلم به كما أن غيري من العلماء هم مطالبون بذلك.
0 التعليقات: